حان وقت التعلّم!
لحظة واحدة…أعيدوا قراءة الجملة السابقة، هل هي صحيحة؟
متأكدون؟
التعلّم نشاطٌ مستمرٌّ غير محدود بزمان أو مكان، فإذاً لا وقت له، إنما يمكن استثمار كلّ ثانية مع أطفالنا في تعلّم مهارات جديدة حتى لو كنّا خارج جدران الغرفة الصفيّة.
وهذا ما أدركته إحدى أخصائيات (شمس) التي حوّلت مهمة التسوّق من المتجر ( السوبرماركت) -والتي غالباً ما تكون كابوساً مقلقاً للأمّ – إلى رحلة تعلّم ممتعة نمّتْ فيها خبرات بطلها الصغير، وهذا ما قصّته علينا:
جاء أوّل الأسبوع، وكثرت فيه الطلبات، وكان عليّ أن أشتري الفواكه والخضار وغيرها من مستلزمات المنزل، ولا أخفيكم سرّاً…قلقت!
سأصطحب طفلي ذي الأربع سنوات معي، وبالتأكيد تعرفون كم يعشق الأطفال هذه الرحلات حيث يتنقّلون من رفّ إلى رفّ، ويريدون من هذه ومن تلك، ولابدّ أنّ كلّ أمّ قد سمعت ما يشابه هذه العبارات:
- “ماما…بدي باتمان متل هاد”
- “ماما…شوفي هي شو حلوة”
- “ماما…ليش ما تشتري لي شوكولا؟”
والصدمة عندما يحرجك أمام الجميع، فيتعجّب من شكل التفاح وكأنّه يراه لأول مرة ويقول: “يه!…ماما..بدي من هاد…شو هاد؟؟”، وذلك بعد أن أمضيتِ صباحك كلّه تقنيعه بأن يأكل تفاحة!
ولذلك، خطرت لي فكرة، وقلت لنفسي سأشغله خلال الرحلة، وأملأ عقله بالمعلومات وأنمّي في ذات الوقت ذكاءه الاجتماعي وحسّه التعاوني، وبدأنا بالخطوة الأولى قبل أن نذهب…
جدول المحتوى
كتابة قائمة بالمشتريات
جهّزتُ الورقة والقلم، وطلبت مساعدته في تذكّر الأشياء التي نحتاجها في المنزل لهذا الأسبوع، وبعد كتابة كلّ كلمة، كنّا نقرأها معاً عدّة مرات: حليب…موز…برتقال…إلخ
وحرصت على إضافة كلمات جديدة لأثري مفرداته اللغوية، وحان وقت الانطلاق!
البحث عن أشياء معينة
بعد أن وصلنا إلى المتجر(السوبرماركت)، تذكّرت أننا شاهدنا معاً فيديو الألوان على قناة شمس في الأسبوع الفائت، فقلت له: هيا نبحث عن شيء أخضر!
فرح طفلي كثيراً بهذه اللعبة وراح يدلّني على كلّ أخضرٍ يصادفه، وهكذا فعلنا مع اللون الأصفر، واللون الأحمر أيضاً.
تصنيف الأشياء
إنّ مهارة التصنيف من أول المهارات التي يكتسبها العقل البشري، وأين سأجد بيئةً أفضل من المتجر لأساعد طفلي على التمييز البصري بين الأشكال والأحجام والألوان؟؟!
ولذلك سألته عدّة أسئلة مثل:
- ما رأيك..هل الخس من الخضار أو الفواكه؟
- هل هذا الفنجان الجميل من فئة الأكواب أو الأطباق؟
- انظر إلى لعبة مجموعة الحيوانات هذه، هل هي حيوانات أليفة أو مفترسة؟
وانتهى بي الأمر إلى نتيجتين: الأولى كانت تعزيز هذه المهارة لدى طفلي، والثانية هي شراء مجموعة الحيوانات تلك! ( هيا ولما لا؟ لتكن تشجيعاً بسيطاً على حسن السلوك)
مهارة العدّ
وأكملنا رحلتنا سوياً…
ولابدّ من بعض الحماس وزيادة المتعة مع المهارات الرياضية، ففكّرت أن أطلب منه المساعدة عن طريق العدّ، وسألته بابتسامة لطيفة ونبرة مهذبة: هل يمكنك مساعدتي بإضافة 6 برتقالات إلى السلة من فضلك يا ماما؟
ورحت أراقبه بسعادة ونظرة الإنجاز تغمر عينيه: واحدة…اثنتان…ثلاثة…
لقد شعر طفلي بأنني أثق به، كما أتيحت له الفرصة لتطبيق ما تعلّمه في دروس الرياضيات.
مهارة المقارنة
أتممنا رحلتنا واشترينا كلّ ما نحتاج، وفرح طفلي برسم خطّ فوق كلّ غرضٍ وضعناه بالسلّة حتى أنتهينا من القائمة كلّها، ووصلنا إلى قسم المحاسبة…
كان المحاسب يمسك كل غرض ليتأكد من سعره ويضيفه إلى الفاتورة، فقررت أن استغلّ الوقت لأنمّي مهارة المقارنة لدى طفلي، وسألته:
- البيض بـ 20 والبسكويت بـ 30، من الأغلى؟
- ما هو أرخص غرض اشتريناه؟
- ما هو أغلى غرض اشتريناه؟
- البيض بـ20 والبسكويت بـ30 والفواكه بـ150 ولعبة الحيوانات بـ50 والخضار بـ80، هل يمكنك أن ترتبها من الأقل ثمناً إلى الأكثر ثمناً؟
تنمية حسّ التعاون
بعد أن حاسبنا، حان وقت العودة للمنزل، فطلبت منه أن يساعدني في وضع المشتريات في الأكياس وبعدها سألته: أيّها أخفّ وزناً؟
قال: البسكويت واللعبة.
فأجبت: أحسنت، ما رأيك أن تساعدني في حملها إلى المنزل؟؟ ماما تعبانة وأنت طفل قوي!
ولو رأيتم ابتسامته الواثقة وقتها لخطر على بالكم أنّه هو من بنى برج إيفل بنفسه!
لأنّ الأطفال بطبعهم كائنات اجتماعية ويحبون المساعدة، بل ويشعرون بكامل الثقة عندما نفوض لهم بعض المهام الصغيرة من وقت لآخر، وهذا ما يعزّز شعورهم بالتعاون ويدفعهم ليصبحوا أشخاصاً أفضل في المجتمع.
هذه كانت تجربة أخصائية شمس والتي نقلناها لكم بأمانة، فليس من المهم أن تفكّروا خارج الصندوق عندما يتعلّق الأمر بتعليم أطفالكم، وإنما حاولوا ألّا يكون هناك صندوق من الأساس…لأنّ التعلم يحصل في كلّ لحظة وعقول الأطفال مثل الاسفنجة تمتصّ كلّ شيء، جرّبوا الطرق غير التقليدية و شاركونا قصصكم كما فعلت أخصائيتنا، وترقبوا منها المزيد من الرحلات التعليمية المفيدة!
قد يهمك: أنواع للذكاء عند الأطفال.